شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
الإيمان بالملائكة من الإيمان بالغيب
...............................................................................
كذلك أيضا من الإيمان بالغيب الإيمان بالملائكة الذين خلقهم الله تعالى لعبادته, وسخرهم وكلّفهم, وأمرهم فأطاعوه, فهم من أولياء الله تعالى، ومن الذين خلقوا لعبادته وطاعته, وقد وردت الأدلة في ذكر الملائكة والاستقصاء لصفاتهم, مثل قول الله تعالى: رسم> بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ قرآن> رسم> وصفهم بأنهم عباد مكرمون, ومثل قوله تعالى: رسم> لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ قرآن> رسم> والله تعالى هو الذي خلقهم, ووكّلهم بأعمال، فمنهم الموكلون بالقطر, لا ينزل القطر إلا بإذن الله تعالى, وملائكة يسيرون السحاب ويصرفونه بأمر الله, ومنهم الموكلون بالنبات, ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم اسم> كما في قول الله تعالى: رسم> لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ قرآن> رسم> يحفظون الإنسان, فإذا جاء أمر الله وقضاؤه وقدره خلوا بينه وبين القدر, وإلا فإنهم يحفظونه عما لم يقدّر الله تعالى عليه, ومنهم كتبة الأعمال؛ في قوله تعالى: رسم> وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ قرآن> رسم> هؤلاء ملائكة الحفظة الكتبة, يقول الله تعالى: رسم> مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ قرآن> رسم> رسم> عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ قرآن> رسم> عن اليمين ملك الحسنات, وعن الشمال ملك السيئات.
إذا عمل حسنة يقول الله تعالى: إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها فاكتبوها له حسنة، وإن همّ بها وعملها فاكتبوها له عشر حسنات، وإذا همّ بسيئة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة -إذا همّ بسيئة فلم يعملها فإنما تركها من جرائي, أي: خوفا مني, فاكتبوها له حسنة- وإن همّ بها وعملها فاكتبوها سيئة واحدة. يكتبون بأمر الله ما يعمله من خير, أو من شر, ويكتبون كل كلامه.
هناك ملائكة موكلون بقبض الأرواح, قال الله تعالى: رسم> وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ قرآن> رسم> ويقول تعالى: رسم> تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ قرآن> رسم> هكذا أخبر بأن الملائكة باسطو أيديهم لقبض الأرواح.
كذلك الملائكة الذين سُخِّرُوا بأمر الله تعالى, منهم خزنة النار، كما في قوله تعالى: رسم> حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ قرآن> رسم> وكذلك خزنة الجنة, رسم> حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ قرآن> رسم> الموكلون بحفظ الجنة وحراستها, والملائكة الموكلون بحفظ النار وإيقادها, ورد أنه يُجاء بجهنم يوم القيامة في تفسير قوله تعالى: رسم> وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ قرآن> رسم> لها سبعون ألف زمام, بكل زمام سبعون ألف ملك يجرونها, ما مقدارها؟ يعني: سبعون ألف زمام كل زمام يجره سبعون ألف ملك!! لا شك أن هذا دليل على عظمتها! هؤلاء ملائكة ورد أن ملائكة الله تعالى لا يحصون, قال الله تعالى: رسم> وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ قرآن> رسم> سمّى الله في القرآن بعضهم, فسمّى خازن النار، قال تعالى: رسم> وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قرآن> رسم> مالك هو خازن النار اسم> .
ورد في الحديث أن خازن الجنة اسمه رضوان اسم> وأن الملكين الموكلين بعذاب القبر اسمهما منكر اسم> ونكير اسم> وأن ملك الوحي جبريل اسم> وأن ملك القَطْر ميكائيل اسم> فهؤلاء سمّوا في القرآن جبريل اسم> وميكال اسم> أو ميكائيل اسم> ورضوان اسم> والبقية أُخذوا من الأحاديث, وعددهم لا يحصيه إلا الله تعالى. وسمّى الله تعالى بعضهم بملائكته, ويقول الله تعالى: رسم> وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قرآن> رسم> فُسّر روح القدس بأنه جبريل اسم> أن الله أيد به عيسى اسم> أيده بهذا الملك؛ فيدل على أن الملائكة كثير, وأن منهم مَنْ هو ينزل على الرسل, ويقوي رسل الله ويؤيدهم وأشهر الملائكة جبريل اسم> عليه السلام، وهو الذي يكلمه الله.
في الحديث: رسم> إذا أحب الله عبدا نادى جبريل اسم> إني أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل اسم> ثم ينادي في السماوات: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماوات، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا نادى جبريل اسم> إني أبغض فلانا فأبغضه، فينادي جبريل اسم> إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماوات، ثم توضع له البغضاء في الأرض متن_ح> رسم> يكلم الله تعالى جبريل اسم> أولا.
كذلك في الحديث: رسم> إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة -أو قال: رعدة- شديدة خوفا من الله تعالى, فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل اسم> فيكلمه الله من وحيه بما يشاء, ثم يمر على الملائكة فيقولون: يا جبريل اسم> ماذا قال ربنا؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير, فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل اسم> فينتهي جبريل اسم> بالوحي إلى حيث أمره الله رسم> فذكر أنه الذي أول مَنْ يرفع رأسه بعدما يخرون، وأن الله تعالى يكلمه منه إليه، وأن الملائكة يسألونه، وأنه يخبرهم، وأنه ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله.
فكل ذلك دليل على مكانة هذا الملك الذي هو جبريل اسم> عليه السلام. وقد مر بنا أحاديث في صفته, وفي عظمته, وفي تواضعه, وفي كثرة ما خلق الله له من الأجنحة, له ستمائة جناح, وأنه قد سد الخافقين, وأنه قد سد الأفق، وفي الحديث الذي مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إليه وإذا هو لاطئ, يعني: متواضع, يقول: فعرفت فضله، وفي بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله: رسم> لماذا لم تضحك؟ فقال: ما ضحكت منذ أن خلق الله النار مخافة أن أعصيه فيكبني فيها رسم> مع أنهم من الملائكة المقربين! فهذه صفات أولياء الله وملائكته الذين اصطفاهم لطاعته, والذين قال عن عباده من البشر: رسم> فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ قرآن> رسم> يعني: الملائكة, يعني: إن استكبرتم وتكبرتم يا بني آدم اسم> فإن الله تعالى له عباد يعبدونه ويطيعونه, ولا يعصونه طرفة عين, ألا وهم ملائكة الله, فهذا شأن الملائكة. وقد مر بنا من صفاتهم ما فيه عبرة لمن اعتبر. والآن نواصل القراءة.
مسألة>